حاجة العباد إلى الاستغفار لدرء عذاب الله
إذاً: المغفرة هي الوقاية من شر الذنوب، ولذا قال: (فلابد في لفظ المغفرة من الوقاية، وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب).وهذا أحد فوائد الاستغفار العظيمة الدالة على فضله، يضاف إلى ما تقدم من كونه يجلب الخير والبركة والنماء والقوة والمتاع الحسن في الدنيا والآخرة، فله جانب آخر عظيم، وهو درء ودفع العذاب، وهل في الأرض من يستغني عن ذلك؟! أليس كل أمم الأرض وكل الناس في حاجة إلى أن يدفعوا عذاب الله تعالى عنهم؟! وإنما يدفعونه بالاستغفار، فقد قال الله تعالى فيه: (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ))[الأنفال:33].وإنه ليس في هذه الأمة نعمة أفضل وأعظم من مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، فأكبر نعمة أنعم الله بها على العالمين هي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، رحم الله بها العالمين أجمعين، وهي من النعم الباطنة، وقد أسبغ الله على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، لكن هذه النعمة أعظم من نعمة الدنيا والخلق والأكل والشرب والشهوات؛ لأن هذه النعم على كثرتها وعلى فضلها وعلى قيمتها لو تجردت عن الإيمان لما كان لها أي قيمة، ولما كانت متاعاً حسناً ولا حياة طيبة.ففي هذه الآية الكريمة جعل الله تعالى مانع وقوع العذاب أمرين:الأول: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة. والثاني: الاستغفار، وهو عظيم وشأنه جسيم وفائدته كبيرة؛ لأنه يعدل وجود النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ليس مثله من كل الوجوه، لكن ذكره هنا دليل على أهميته وضرورته.إذاً: فلا بد منه لكل الناس، فالمشرك يستغفر الله من شركه، والمفرط العاصي يستغفر الله من تفريطه وذنوبه ومعصيته، فهو ضروري لكل أحد، وإلا حل العذاب بالمذنبين والمجرمين. قال رحمه الله تعالى: (فإن الله لا يعذب مستغفراً، وأما من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته؛ فهذا ليس باستغفار مطلق، ولهذا لا يمنع العذاب)، يعني: أن حقيقة الاستغفار هي الوقاية من شر الذنوب. وإذا نظرنا إلى علاقة الاستغفار بالتوبة -كما سنعرض لذلك بالتفصيل- فسنجد الفرق بينهما، كما في دعاء كفارة المجلس: ( أستغفرك وأتوب إليك ).فإذا قلت ذلك فقد فعلت أمرين: استغفاراً وتوبة، فمعنى (أستغفرك): أطلبك وأرجوك أن تقيني شر ذنبي الذي أسلفت وقدمت، ومعنى (وأتوب إليك): أنيب وأتوب إليك ولا أعصيك مستقبلاً. فالاستغفار يعالج ما مضى، فهو يقيك شر ما أسلفت وما قدمت من الذنوب والمعاصي، فتقول: (أستغفرك)، أي: لما مضى (وأتوب إليك) أي: لما بقي، فهذا بالإضافة إلى أنه يبين لنا الفرق بين التوبة والاستغفار من جانب؛ يبين لنا أن حقيقة الاستغفار هي الوقاية من شر الذنب، وشر الذنب يعم وقوع العذاب في الدنيا ووقوع المصائب، ويعم مرض القلب والشرور العظيمة التي ذكر ابن القيم جملة منها في كتابه الجواب الكافي .يقول رحمه الله تعالى: (والرجوع إلى الله يتناول النوعين)، ونحن قلنا: إن حقيقة التوبة هي الرجوع إلى الله، فهو يقول: الرجوع إلى الله يتناول التوبة ويتناول الاستغفار؛ لأنني إذا قلت: يا رب! قني شر ذنبي فقد رجعت إليه، وإذا طلبت منه أن يتوب عليّ فقد رجعت إليه، فحقيقة التوبة مع حقيقة الاستغفار هي الرجوع إلى الله تعالى.